ابو حسين المدير العام
عدد الرسائل : 453 تاريخ التسجيل : 05/03/2008
| موضوع: من أشعار الأسرى والمسجونين الثلاثاء أبريل 21, 2009 11:25 am | |
| منذ بدأ الجهاد في سبيل الله , وهناك من يقع من المسلمين أسرى بيد الكفار ؛ فإما انهم يقتلونهم شرَّ قِتلة , وإما انهم يذيقونهم أصناف العذاب والذل والإهانة , مع السجن الطويل في المعتقلات يتمنون الموت ولا يجدونه , ويتجرعون هم وأهاليهم مرارة الأسر والفراق , كما يحدث اليوم مع الكثير من المعتقلين في أراضي القتال والجهاد , كفلسطين وغيرها من البلدان الإسلامية المستباحة من قبل الكفار . وهذا أيضاً ما صوره كُل من خُبيب بن عدي - رضي الله عنه -, والوزير الكاتب أبي بكر الأشبوني(1) , - كما سيأتي لاحقاً -. ولذا كان الإمام أحمد بن حنبل الشيباني – رضي الله عنه – , يرى أن يقاتل المجاهد حتى الموت ولا يستسلم للعدو , فيقول : ( ما يعجبني أن يَسْتأسِرُوا . وقال : يقاتل أحب إلي الأسر شديد ولابد من الموت . وقال : يقاتل ولو أعطوه الأمان قد لا يفون )(2) . ثم لا ننسى ألم ومعانات أهالي الأسرى- وخاصة الأمهات – , ومن ذلك قصة صابر بن أوس الذي أُسر في أحد المعارك ,- كما روى الواقدي في " فتوح الشام " - فكانت أمه مزروعة بنت عملوق الحُميرية – وهي من فصحاء زمانها - تندبه و تبكيه , وتقول :
أيا ولدي قد زاد قلبي تلهبـا * * * وقد أحرقت مني الخدود المدامـعُ وقد أضرمت نار المصيبة شعلة * * * وقد حميت مني الحشا والأضالعُ وأسأل عنك الركب كي يخبرونني * * * بحالك كيما تستكـن المدامـعُ فلم يكن فيهم مخبر عنك صادقـاً * * * ولا منهم من قال إنك راجـعُ فيا ولدي مذ غبت كدرت عيشتي * * * فقلبي مصدوع وطرفي دامـعُ وفكري مقسوم وعقلـي مولـهٌ * * * ودمعي مسفوح وداري بلاقـعُ فإن تك حيـاً صمت لله حجـةً * * * وإن تكن الأخرى فما العبد صانعُ بل قد يضطر البعض من الأسرى إلى إذلال نفسه , فيلجأ إلى مدح رؤساء وكبار الكفار من أجل استعطافهم كي يخلوا سبيله ويطلقوا سراحه , كما حصل لعمر بن حسن النحوي الصقلي – رحمه الله – , الذي وقع أسيراً عند نصارى صقلية , فانشد أبياتاً يمدح بها ملك صقلية " رُجّار " لعله يُفرج عنه , يقول منها :
طلب السلـوّ لو أن غير سُعـاد * * * حلت سويداء قلبه وفـؤاده ورجا زيارة طيفهـا في صدهـا * * * وغرامه يأبى لذيـذ رقـاده والله لولا المـلك رُجّـارُ الـذي * * * أهدى لحُبيّـه عظـم وداده ما عاف كأس المجد يوم فراقها * * * ورأى مُحيَّا المجد في ميلاده فعلق أبو الحسن القِفطي – رحمه الله – على هذه الأبيات , قائلاً : " والله يغفر لهذا الشاعر في مدحه الملك الكافر , ولكنه معذور , إذ هو مأسور "(3) .
ومن أشعار الأسرى والمعتقلين من الصحابة , ما جاء في السيرة النبوية أن خُبيب بن عدي – رضي الله عنه - وقع في قبضة مشركي هذيل أسيراً , فلما اجتمعوا عليه وقربوه للقتل , طلب منهم أن يصلي ركعتين – وكان أول من سن الركعتين عند القتل – , ثم دعا بعد ذلك , وقال : " اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا ثم قال :
لقد أجمع الأحزاب حولي وألبـوا * * * قبائلهـم واستجمعـوا كل مجمـعِ وكلهـم مبـدي العـداوة جاهـدٌ * * * علي لأنـي فـي وثـاق بمضيـعِ وقد قـربوا أبناءهـم ونساءهـم * * * وقربت من جـذع طويـل مُمنـع إلى الله أشكو غربتي بعد كربتي * * * وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي فذا العرش صبرني على ما يراد بي * * * فقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمعي وقد خيروني الكفر والموت دونـهُ * * * فقد ذرفت عيناي من غير مجـزعٍ وما بي حذار المـوت إني لميـت * * * وإن إلى ربـي إيابـي ومرجعـي ولست أبالـي حين أقتـل مسلمـاً * * * على أي شق كان في الله مضجعـي وذلك فـي ذات الإلـه وإن يشـأ * * * يبارك على أوصال شلـوٍ ممـزعِ فلسـت بمبـد للعـدو تخشعـاً * * * ولا جزعاً إنـي إلـى الله مرجعـي فقال له أبو سفيان : أيسرك أن محمداً عندنا تُضرب عنقه وإنك في أهلك ؟ فقال : لا والله , ما يسرني أني في أهلي , وأن محمداً في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكةٌ تؤذيه "(4) .
ومن أشعار من وقع في الأسر أيضاً , أعشى همدان الذي كان ضمن من أغزاه الحجاج بن يوسف الثقفي بلاد الديلم , فقال يشكو حاله وشدة الكرب الذي أصابه في الأسر(5) :
أصبحت رهنـاً للعـداة مكبـّلاً * * * أمسي وأصبح في الأداهـم أرسف ولقـد أراني قبـل ذلـك ناعمـاً * * * جـذلان آبـى أن أضـام وآنـف واستنكرت ساقي والوثاق وساعدي * * * وأنا امرؤ بادي الأشاجع أعجف(6) وأصابني قـوم وكـنت أصيبهـم * * * فالآن أصبـر للزمـان وأعـرف وإذا تصبك من الحـوادث نكبـة * * * فصبـر لهـا فلعلّهـا تتكشّـف ومن أكثر من حفظ عنه الشعر في الأسر ، أبو فراس الحمداني الذي أسرته الروم , فقال قصائد متعددة سميت بالروميات لكثرتها , ومن أجملها , وأشهرها قوله وقد سمع حمامة تنوح بقربه على شجرة عالية(7) :
أقول وقد ناحت بقربي حمامـةٌ * * * أيا جارتي هل تشعرين بحالي معاذ الهوى ما ذقت طارقة الهوى * * * ولا خطرت منك الهموم ببالِ أتحمل محزون الفؤاد قـوادمٌ * * * على غصن نائي المسافة عالي أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا * * * تعالي أقاسمك الهمـوم تعالي تعالي تَريْ روحاً لدي ضعيفةً * * * تردَّدُ في جسم يُعـذب بالـي
أيضحك مأسورٌ وتبكي طليقـة * * * ويسكت محزون ويندب سالي لقد كنتُ أولى منك بالدمع مقلةً * * * ولكنَّ دمعي في الحوادث غالي ومن رومياته أيضاً من " يتيمة الدهر للثعالبي " :
أراك عصي الدَّمع شيمتك الصبـرُ * * * أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمـر بلى أنا مشتـاق وعنـدي لوعـةٌ * * * ولكن مثلـي لا يذاع لـه سـرُ إذا الليل أضوى بي بسطت يد الرجا * * * وأذللت دمعاً من خلائقه الكبرُ تكاد تضيء النـار بين جوانحـي * * * إذا هي أذكتها الصبابة والفِكـرُ وللوزير الكاتب أبي بكر محمد بن سوار الأشبوني الأندلسي , - الأنف الذكر – قصيدة طويلة ومعبرة , قالها وهو أسير في مدينة قورية(، يصف بها كيفية القبض عليه حينما هجم عليهم النصارى(9), منها قوله :
ولما بدا وجه الصبـاح تطلعـت * * * خيولٌ من الـوادي محجـلةٌ غرُ فقلت لهم : خيل النصارى فشمَّروا * * * إليها وكروا هاهنا يحسن الكـرُّ وكانت حميّا النوم قد صرعتهـم * * * ففُلُّوا ولـوا مدبرين وما فـرّوا وأفردت سهماً واحداً في كنانة * * * من الحرب لا يُخشى على مثله الكسرُ وكنت عهدت الحرب مكراً وخدعةً * * * ولكن من المقدور ما لامرئ مكرُ فطاعنتُهم حتى تحطّمـت القنـا * * * وضاربتهم حتـى تكسـرت البُتـر وأضـرِّج أثوابي دمـاً وثيابهُـم * * * كأنّ الذي بينـي وبينهـم عطـرُ وأحدق بي والموت يكشــر نابـه * * * ومنظره جهـمٌ وناظـره شـزرُ فأعطيتها وهي الدنية صاغـراً * * * وقد كان لي في الموت لو يدني عذرُ فطاروا وصاروا بي إلى مستقرهم * * * يصاحبنـي ذلٌ ويصحبهـم فخـرُ ونختم ببيتين لعبد الله بن إبراهيم بن مثنى الطوسي المعروف بابن المؤدب ، المأسور بصقلية(10) :
لا يذكـر الله قومــاً * * * حللت فيهـم بخيـرِ جاهدت بالسيف جهدي * * * حتى أُسرت وغيري | |
|